" وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوع". (لوقا 1 : 26 - 33) .
"الناصرة" إسم عبرى معناه "غصن" أو "المحروسة" ، وهى تقع فى الشمال من الجليل الأسفل ، وترتفع عن مستوى سطح البحر بحوالى 400 متراً وتبعد نحو 27 كيلومتراً عن بحيرة طبرية من الغرب ، وحوالى 150 كيلومتراً إلى الشمال من أورشليم . وكانت الناصرة فى أيام الحكم الرومانى وفى فترة حياة السيد المسيح فيها ، قرية يهودية ليست لها أية أهمية ، ويبدو أن سُمعتها كانت سيئة " أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟" (يو 1 : 46 ) .
X الناصرة فى العهد الجديد :
ترجع أهمية الناصرة فى العهد الجديد للآتى :
- القديس يوسف النجار والسيدة العذراء ، كانا من الناصرة وسكنا فيها ( لوقا 2 : 39 ) .
- فى الناصرة ظهر ملاك الرب للعذراء ليبشرها بأنها ستكون أُماً لمخلص العالم (لوقا 1 : 26 ) .
- رجعت العائلة المقدسة من أرض مصر وسكنت فى الناصرة (متى 2 : 23 ) .
- فى الناصرة قضى السيد المسيح القسم الأكبر من حياته على الأرض (مرقس 1 : 9 ) .
- السيد المسيح دُعى بـ "يسوع الناصرى" نسبة إلى الناصرة (متى 2 : 23 ، متى 21 : 11 ، مرقس 1 : 24 ) .
ولكن للأسف أهل الناصرة رفضوا السيد المسيح مرتين (متى 4 : 13 ، لوقا 4 : 28 ، يوحنا 4 : 43 ) .
خلال الحفريات التى قام بها فريق من علماء الآثار سنة 1955 م ، تم إكتشاف بقايا الكنيسة القديمة الأولى ، وقرر العلماء إنها ترجع إلى القرن الثانى الميلادى ، وقد بُنيت قرب المغارة المقدسة التى كانت جزءاً من بيت السيدة العذراء والقديس يوسف ، حيث سكنا عقب عودتهما من أرض مصر . وحسب التقليد المسلّم أن فى هذا المكان بشَّر الملاك جبرائيل العذراء مريم بالحبْل البتولى ، بالسيد المسيح . وفى القرن الخامس (تقريباً سنة 427 م) ، حَلَّتْ كنيسة ذات الطراز البيزنطى محل الكنيسة الأولى ، ولكن هدمها الفرس سنة 614 م ، وأعاد بناءها الصليبيون فى بداية القرن الثانى عشر . فدكّ بناؤها الملك بيبرس سنة 1263م .
حصل الآباء الفرنسيسكان على ملكية المكان سنة 1620 م ، فشيدوا كنيسة صغيرة سنة 1730 م ، وبقيت هذه الكنيسة حتى سنة 1955 م ، حينما هُدمت لأجل بناء الكنيسة الموجودة حالياً ، ذات القبة المخروطية . هذه الكنيسة أُنتهى من بنائها سنة 1969 م ، وعمل تصميمها المهندس البروفيسور Giovanni Muzio من إيطاليا . وللكنيسة طابقين : فالطابق السفلى يتبع آثار أساسات الكنيسة الصليبية وفى الوسط مغارة البشارة التى ينفتح السقف أمامها كالعين لتبصر النور ، وهى تحت قبة الكنيسة العليا .
مداخل الكنيسة من الجانبين الجنوبى والغربى ، وفى الواجهة الغربية يوجد مشاهد محفورة لها صلة بالتجسد مُستلهمة من العهدين القديم والجديد . القبة المخروطية التى تشتهر بها كنيسة البشارة ، تظهر من الداخل مثل كأس زهرة الزنبق ولونها الأبيض الذى يشير إلى الطهارة والبتولية . فى قمة القبة ما يشبه عدسة ضوئية ذات الأضلاع الثمانية ، ينزل منها نور النهار ليضئ صحن الكنيسة " كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ " (يوحنا 1 : 9 ) . كما ينعكس النور على القضبان الحديدية لأوراق الزهرة التى فيها الحرف " M " يتكرر 32 مرة ، وبحسب تأمل أحد الآباء الفرنسيسكان ، إنها ترمز إلى سُبل الحكمة الإلهية الـ32 فى الحرف " M " الذى هو أول حرف لكل من Maria & Messias أى المسيا وماريا .
وتُسمى أيضاً "كنيسة العائلة المقدسة" . تقع هذه الكنيسة إلى شمالى كنيسة البشارة ، وبين الإثنين يوجد دير الفرنسيسكان الضخم (بُنى سنة 1930م) مع المدرسة بجواره . المبنى الأول يرجع إلى القرن السادس الميلادى ، والذى شُيَّد فوق المغارة التى يُخبرنا التقليد أنها كانت بمثابة ورشة النجارة (أو مَحلِ) للقديس يوسف ، حيث كان الطفل يسوع يساعده أيضاً فى عمله فيها .
فى سنة 1911م شُيَّدت الكنيسة الحالية على الطراز الصليبى بالقرب من بقايا الكنيسة البيزنطية ، التى يمكن حتى وقتنا هذا أن نشاهدها بالمغارة ، والكنيسة حالياً ملك الآباء الفرنسيسكان . ومن المعروف أن القديس يوسف كان يعمل فى مهنة النجارة . حيث ورد فى إنجيل متى على لسان بعض اليهود قائلين : " مِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟" ( متى 13 : 54 – 55 ) .
هى ملك لطائفة الروم الأرثوذكس ، ويُطلقون عليها أيضاً إسم "كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس" . وهى تقع بالقرب من الطريق الرئيسية التى تؤدى إلى طبرية . هذه الكنيسة شيدت سنة 1750 م على أنقاض ثلاث كنائس متوالية قديمة ، الكنيسة الأولى تعود إلى فترة الحملات الصليبية ، وبقاياها يمكن مشاهدته بداخل كهف ، حيث يوجد بئر ماء يُسمى "بئر العذراء مريم" . ولدى الكنيسة اليونانية تقليد يقول أن الملاك جبرائيل ظهر للعذراء مريم وبشرها بالحبل الإلهى عندما كانت تستقى ماء من تلك البئر ، لكن لا يوجد سند حقيقى يدعم صحة هذا التقليد .