" وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ ... وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثلاَثِينَ سَنَةً .... قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ»" (يوحنا 5 : 1 - 9) .
X كنيسة القديسة حَنَّةُ :
عند دخولنا من باب ستنا مريم "باب الأسباط" ، نجد إلى اليمين وعلى بعد 20 متراً ، مبنى يُسمى "الصلاحية" ، نسبة إلى صلاح الدين الأيوبى ، الذى يحوى على : كنيسة القديسة حنة (والدة القديسة مريم العذراء) ، حيث توجد المغارة التى عاشت فيها مع زوجها يواقيم ، وولدت فيها إبنتها مريم ، أم المخلص – وعلى مقربة من الكنيسة ، توجد بركة بيت حسدا حيث شفى السيد المسيح المقعد .
وتعتبر كنيسة القديسة حنة ، من أروع الكنائس التى حافظت على أصالتها الصليبية فى فلسطين . أول كنيسة بُنيت فوق المغارة التى وُلدِت فيها العذراء مريم ، كانت فى أوائل القرن الرابع الميلادى تقريباً ، لكن هذه الكنيسة هُدمت ، وأُقيم فى نفس مكانها كنيسة أخرى فى القرن السادس ، والتى هدمها الفرس سنة 614 ميلادية . أعاد بناؤها الصليبيون فى القرن الحادى عشر وأضافوا إليها ديراً للراهبات . على مدخل الكنيسة وفوق الباب ، نجد لوحة منقوش عليها كتابات عربية وعليها تاريخ 25 تموز 1192م ، حينما حوّل صلاح الدين الأيوبى الكنيسة إلى مدرسة فى الفقه الإسلامى وأطلق عليها "الصلاحية" . ويعلو المدخل أيضاً نافذة عليها نقوش عقود تضاهى تلك الموجودة على مدخل كنيسة القيامة .
فى فترة الحكم العربى ، سُمح للآباء الفرنسيسكان أن يقيموا صلواتهم فى الكنيسة فى الأعياد فقط . وبعد الأحتلال التركى ، تنازل الأتراك عن الكنيسة لفرنسا ، بعد حرب القرم ، فأعادت فرنسا ترميمها سنة 1856 ميلادية . وقد أوكلت حكومة فرنسا الكنيسة وما يحيطها من آثار للآباء البيض ، الذين فتحوا معهداً إكليريكياً للروم الكاثوليك ، وحوّلوه حالياً إلى مركز للدراسات الكتابية والأثرية . بدأت الحفريات تعمل سنة 1871 ميلادية تحت إشراف المهندس Mauss ، ثم أُستكملت عام 1954 – 1957 ميلادية ، تحت إشراف الآباء البيض ، فأسفرت الحفريات عن إكتشاف بقايا الكنائس القديمة ومغارة ميلاد السيدة العذراء .
· شرح مبسط للكنيسة – تقسم الأعمدة الكنيسة إلى ثلاثة أجنحة ، وأما سقفها فمبنى على أقواس قوطية عريضة وليس على عقد كامل ، وترتكز العقود على أعمدة ضخمة مستطيلة . وتحتوى على قبة كبيرة ترتكز على أربعة أقواس متساوية تستند بدورها على أعمدة . ويقع تحت القبة هيكل رئيسى نحته الفنان الفرنسى Phillip Kablan سنة 1954 ميلادية ، وعليه ثلاثة مشاهد إنجيلية من سيرة العذراء : البشارة – ميلاد السيد المسيح – العذراء تحمل المسيح بعد إنزاله عن الصليب . وفى الجانب الأيمن للهيكل : لوحة تمثل تقديم العذراء إلى الهيكل ، وفى الجانب الأيسر : عناية القديسة حَنّة بمريم العذراء . وتشمل الكنيسة على مغارة طبيعية ، تعلوها قبة ويتوسط حنيتها هيكل ، وقد أحيا الصليبيون فيها ذكرى ميلاد العذراء تبعاً للتقليد الشرقى ، الذى حدد ميلاد العذراء فى هذه المغارة .
X بعض التزينات فى الكنيسة :
· لوحة بارزة تمثل صندلين ، يصل بينهما ملف ، ترمز إلى رباط الشركة الزوجية بين حنّة ويواقيم إلى اللحد . وقد استخدم فن الأيقونات الشرقية الصندل للدلالة على القبر ، والملف يدل على عقد الزواج .
· تاج عمود على شكل برميل مخطط يزين عمود .
· رأس ثور ، كرمز لإنجيل لوقا .
· رأس إنسان ، كرمز لإنجيل متى . (كل من متى ولوقا تحدثا فى إنجيليهما عن السيدة العذراء) .
· تيجان أعمدة غير مكتملة مستوحاة من الفن الكورنثى .
X بِركَة بيت حسدا :
"بيت حسدا" كلمة عبرية معناها "بيت الرحمة" . يخبرنا الكتاب المقدس ، أنه فى أيام آحاز الملك ، بُنيت بركة مياه لتجميع مياه الأمطار (نحو 750 – 700 ق.م.) ، ترتبط هذه البركة بقناة لتوصيل المياه إلى الهيكل (أش 7 : 3 و أش 36 : 2 و 2ملوك 18 : 17) . وفى سفر يشوع بن سيراخ ، نجد أن سمعان بن أونيا الثانى (نحو 220 – 190 ق.م.) وهو عظيم الكهنة ، قد بنى بركة عظيمة كخزان مياه لخدمة الهيكل (يشوع بن سيراخ 50 : 1 - 2) .
وعلى عهد هيرودس الكبير (37 ق.م.) بَطُل إستعمال البركتين ، لأن الملك هيرودس حفر "بركة إسرائيل" بقرب الهيكل عندما وسّعَ ساحة الهيكل من جهة الشمال ، وأصبحت تستخدم مياه البركتين لغسل الحيوانات قبل تقديمها للهيكل . وفى عام 135 ميلادية زين الإمبراطور هادريان ، القدس "إيليا كابتولينا" بأنشاء حمّام بالقرب من البركة ، ومعبد للإله "إسكلابيوس Asclepios Serapis" إله الطب عندهم ، ليطمس ذكرى معجزة السيد المسيح التى شفى فيها المقعد عند البركة . وقد كشفت الحفريات عن بقايا رومانية ونذور وثنية للإله اسكلابيوس . ويروى المؤرخ يوسابيوس القيصرى (265 - 340 م) ، أن الناس كانوا يُدلّونه على البركتين وقد أصبحتا بلا أروقة .
تتألف بركة بيت حسدا من حوضين : شمالى وجنوبى ، ويتوسطهما سدّ طوله 45 متراً وسُمكةِ 6 أمتار ، وتبلغ مساحة الحوض الشمالى 40 x 40 متراً ، أما الحوض الجنوبى فتبلغ مساحته 65 x 50 متراً ، وبعمق 13 متراً . يقع شرقى البركة مجموعة من المغاور محفورة فى الأرض ، وتتراوح مساحة كل منها بين واحد إلى ستة أمتار مربعة ، ولكل مغارة مجموعة من الدرجات المحفورة فى الصخرة تؤدى إلى حمّام صغير بمساحة 1 x 1 متراً وبعمق 2.50 متراً .
شيّد المسيحيون عام 400 – 427 ميلادية ، كنيسة فوق البركة والمعبد الوثنى ، تذكاراً لمعجزة شفاء المقعد ، بلغت مساحة الكنيسة 45 x 18 متراً ولها ثمانية أقواس ضخمة كدعائم للكنيسة ، ويستند القسم الأمامى (الشرقى) للكنيسة على بقايا معبد إسكلابيوس ، وأما القسم الخلفى (الغربى) فيرتكز على سدّ البركة المركزى ، ودلت الحفريات على وجود أرضية من الفسيفساء لمكان المرتيريونMartyrium (المذبح) ، منقوش عليها صلبان يعود تاريخها إلى ما قبل عام 427 ميلادية . وفى عام 614 ميلادية هدم الفرس الكنيسة ، ولكن أحد الآباء ويدعى Modestus أعاد بناءها . وقد أزدهرت هذه الكنيسة أيام شارلمان ، وبقيت الكنيسة قائمة حتى هدمها الحاكم بأمر الله (1008 – 1020 ميلادية) . وأختفت بعدئذ من التاريخ إلى أن كشف عن بقاياها خلال الحفريات بالمنطقة ، ويمكن للزائر أن يشاهد أطلال هذه الكنيسة حتى الآن .