جرى العُرف على تسمية الكنائس والأديرة القبطية الأرثوذكسية، بأسماء الشهداء والقديسين الأقباط، ولعل دير السلطان هو الوحيد بين الأديرة القبطية الذى تسمى بخلاف ذلك، حيث أن كلمة "السلطان" لا تُطلق إلا على الحكام المسلمين. ويرجع ذلك غالباً إلى أحد أمرين: أحدهما أن بناء الدير أو موضعه كان هبة من أحد السلاطين المسلمين للأقباط، فنسبوه إليه إقراراً بفضله، أو أن السلطان اتخذه لإقامة عماله في القدس أو لإيواء رسله الذين كانوا يوفدون إلى الأقطار التابعة له كالشام، التي كان السبيل إليها من مصر عن طريق القدس.
بعض مشاهير الأقباط سكنوا بهذا الدير
ذكر التاريخ أمثلة لأقباط تولوا مناصب رفيعة بالقدس وكانت الأديرة القبطية مقراً لإقامتهم، وخاصة دير السلطان، مثل: أبو اليمن قزمان بن مينا ، الذى يقول عنه ساويرس بن المقفع (أسقف الأشمونين)، المؤرخ المعاصر له "أنه كان ناظراً لكافور الأخشيدى (965م) فى كورة مصر، ولما تملّك المعز عينه فى القدس". ويقول المؤرخ أبو المكارم "أن أبا اليمن كان يُقيم فى دير السلطان". كذلك منصور التلبانى ، الذى يقول عنه يوحنا بن صاعد بن يحى المعروف بأبن القلزمى، الذى قام برحلات إلى القدس، فى النصف الثاني من القرن الحادي عشر: وكان الغُز (هم التركمان أو الأتراك السلاجقة ) لما ملكوا مدينة القدس، استخدموا فى عمالة البلد رجلاً نصرانياً محباً للمسيح يُعرف بمنصور التلبانى وله زوجة مثله، لتقديم أية معونة لمن يصل القدس من النصارى من مصر، هذا عَمّر بيعة ( بيعة : تعنى أصلاً الكنيسة، ولكن بعض الكتاب أطلقوها أيضاً على الدير ) كرّسها أحد أساقفة مصر فى برمهات سنة 808 للشهداء". وقد ذكر أبو المكارم، هذه البيعة ضمن كنائس الأقباط فى القدس، بقوله: "بيعة للأقباط عمرها منصور من تلبانة عدى، وكُرّست فى بطريركية الأنبا كيرلس السابع والستين فى العدد فى سنة ثمانمائة وثمان للشهداء، بيد أحد الأساقفة من كورة مصر". ولما كان تكريس هذه البيعة قد تم فى برمهات سنة 808ش (1092م)، فلا بد أنها عُمرّت قبل ذلك التاريخ، وغالباً فى عهد الأنبا كيرلس الثاني (1078- 1092م). وقد عثر العلامة جرجس فيلوثاوس على بيان بخصوص الكنيسة المذكورة مكتوب بتاريخ 18 برمهات سنة 1490ش (1774م)، ونقله هو بدوره فى كتابه الشهير "أملاك القبط فى القدس الشريف"، وفيما يلي أهم ما جاء فى هذا البيان: "وُجدَ بخط القس غبريال الراهب، كاتب القلاية ( القلاية : كانت تطلق على مقر البطريرك، وكاتب القلاية، هو كاتب البطريرك أو سكرتيرة )، فى زمن الأنبا يوأنس الطوخى الثالث بعد المئة هو يوأنس السادس عشر (1676- 1718م)، وهو الذى حصل الأقباط فى عهده على حجة شرعية بترميم دير السلطان، بناء على طلب مُقدم من المعلم سالم البنا المتكلم على أوقاف الأقباط بالقدس ) .. وكان الغُز لما ملكوا مدينة الشام والقدس، راعوا النصارى المقيمين بها وأنهم إستخدموا إلى المتولي عمالة البلد، جماعة النصارى الذين يتوجهون إلى دمشق الشام...وإنهم بعدما يرجعون من خدمتها يرتاحون فى القدس، وبنى لهم السلطان ديراً ويُسمى الآن دير السلطان، إلى زمن رجل نصراني قبطي كان فى خدمة المتولى، وهو مُحب للمسيح، يُعرف بالمعلم منصور التلبانى، وله زوجة مثله إسمها معينة، وهى كانت تساعد من يصل القدس من جماعة النصارى من مصر، فاجتهد حتى عَمّر كنيسة للأقباط فى القدس وبدأ بتجديدها، وكاتب الأب البطريرك أنبا كيرلس المذكور يسأله إنفاذ من يكرسها، فإستقر رأى الأب البطريرك وسيّر له أحد الأساقفة لتكريسها وتوجّه فى برمهات سنة 808 للشهداء".
من ما تقدم نستنتج الآتى
1- أن الدير المسمى "دير السلطان"، كان موجوداً من قبل عهد منصور التلبانى (808ش- 1092م)، وأن ما قام به منصور التلبانى هو تعمير الدير أي إصلاحه.
2- أن دير السلطان سُمى كذلك، لأن السلطان بناه ليكون بمثابة نُزُل (كانت الأديرة فى الشرق تقوم بإيواء المجتازين بها وضيافة اللاجئين إليها، وتنزله فى بعض الحجرات الخاصة بالضيوف بها ) أو إستراحة لرسل السلطان وعُمّالهِ فى طريقهم إلى الشام أو العكس.
3- أن موظفى السلطان- ومن مهامهم تحصيل أموال الدولة- كانوا يلجأون إلى الأديرة ويحفظونها بها بإعتبارها المكان المأمون، كما فعل أبو اليمن قزمان بن مينا، الذى لما غزا القرامطة القدس، أخفى أموال الدولة التي جمعها فى الدير حتى عاد إلى مصر.
ويقول مستر Williams ، الذى زار دير السلطان سنة 1842م فى كتابه "المدينة المقدسة" " The Holy City " ، أن قسيس الدير روى له أن أحد السلاطين عرض على كاتبه مكافأة سخية نظير إخلاصه فى خدمته مدة طويلة، فاعتذر عن قبولها والتمس منه عوضاً عن ذلك أن يسمح له بتعمير الدير المخرّب بالقدس للانتفاع به، فأجاب السلطان التماسه عن طيب خاطر.